الجمعة، 10 أبريل 2020

هل التجربة هي من تجعل العلم علما؟

·        هل التجربة شرط لكل معرفة علمية؟
·        هل التجربة هي من تجعل العلم علما؟
·        المقدمة:
لقد كان تفكير الإنسان البدائي تفكيرا عاميا ساذجا، مما جعل الإنسان يتوصل إلى مجموعة من المعارف الساذجة لكن استطاع الإنسان تجاوز هذه المرحلة باتخاذ التفكير العلمي الذي ارتبط اساسا بالمنهج التجريبي الذي مكن العلماء من التحقق من صدق فروضهم، فهل هذا يعني أن التجربة هي شرط المعرفة العلمية؟ و بصيغة أخرى هل كل معرفة علمية معرفة تجريبية؟

·        الموقف الأول: كل معرفة علمية معرفة تجريبية
إن المعرفة العلمية معرفة تجريبية بالدرجة الأولى و هذا ما أكده كلود برنارد واضع نظرية المنهج التجريبي بخطواته الثلاث، الملاحظة، الفرضية و التجربةحيث بين كلود برنارد قيمة التجربة من خلال تجاربه كالتجربة التي قام بها على الأرانب و توصل من حلال تجاربه إلى أن مشروع القانون يتحول إلى قانون، إلى جانب ما ذهب إليه كلود برنارد نجد جون ستوايرت مل الذي أكد على ضرورة التجربة في بناء المعرفة، لأن التجربة مقياس موضوعي يبعد العالم عن التفسير الذاتي و يعمل على تطابق الفكر مع الواقع لـن العقل إذا كان يبني الأفكار فإن الواقع هو الذي يحكم عليها إذا كانت صادقة أم لا و بالتالي فإن صحة المعرفة العلمية متوقفة على عدم تناقض الفكر مع الواقع، الأمر الذي لا يمكن التأكد منه إلا باستعمال التجربة المخبرية و على هذا تحدث مل عن مجموعة من القواعد التي تضمن التحقق الدقيق للتجربة و المتمثلة في – قاعدة التلازم في الحضور، قاعدة التلازم في الغياب، قاعدة التلازم في التغير، قاعدة البواقي- و ما يثبت صدق التجربة قول كلود برنارد "إن الملاحظة هي جواب الطبيعة الذي توجد به دون سؤال لكن التجربة هي استنطاق الطبيعة" و بذلك المعرفة العلمية نتيجة حتمية لتجريب العالم أي كلما حضرت التجربة حضرت المعرفة العلمية، و كلما غابت التجربة غابت المعرفة العلمية.
·        النقد:
لقد أثبت التاريخ أن بعض المعارف العلمية ليست تجريبية، بدليل الدراسة الفلكية التي اعتمدت الملاحظة كمقياس أساسي في بلوغ القوانين العلمية بالرغم من أنه علم استقرائي و لهذا المعرفة العلمية لا تعود على التجربة بالضرورة لأن موضوعات البحث تختلف كمبحث الرياضيات و مبحث العلوم الانسانية، و هذا ما أثبته زعماء الطرح الثاني.

·        الموقف الثاني: ليست كل معرفة علمية معرفة تجريبية بالضرورة
إن المعرفة العلمية لا يمكن أن تكون منهجا لكل علم لأن مناهج العلوم تختلف باختلاف العلوم،  فالرياضيات علم المفاهيم المجردة و من ثمة فإن دراستها تتطلب المنهج الاستدلالي الإستنتاجي و بالرغم من غياب التجربة استطاع عالم الرياضيات، بلوغ القوانين العلمية خاصة في الرياضيات المعاصرة، و بناء هندسة ريمان و لوباتشفسكي و التي كانت نظريات دقيقة، موضوعية كمية، يقينية و ذلك من أجل بلوغ فكرة انطباق الفكر مع ذاته، أي أن المعارف ليست واقعية بدليل أن المعرفة العلمية التي استعملها الرياضيات ليست تجريبية أي أن لا نستعمل الواقع للتحقق من فروضها بصفتها علما مجردا و إنما تستعمل البرهان العقلي بحيث لا تتناقض النتئج مع المقدمات و الفرضيات و هذا ما يظهر في نسق اقليدس حيث يسلم بأن مجموع زوايا المثلث يساوي 180° في حين أن مجموع زوايا المثلث عند زيما يساوي أكثر من °180 أما عند لوبايشفسكي فإن مجموع زوايا المثلث أقل من 180° ، و ما يؤكد هذا الطرح أيضا المذهب العقلي بزعامة كل من ديكارت و بوانكاري الذي يرى أن الرياضيات علم تجريدي و ليس تجريبي و ما ينطبق على الرياضيات ينطبق أيضا على العلوم الإنسانية التي تتناول الإنسان كموضوع بجميع جوتنبه الإنساني ، الجانب النفسي الذي نستخدم فيه المناهج مختلفة كالمنهج الاستبطاني، المنهج السلوكي و منهج مدرسة التحليل و النفسي. ثم الجانب التاريخي حيث نستخدم لدراسته منهج النقد و التمحيص اضافة إلى الجانب الأخلاقي التربوي الاجتماعي

·        النقد:
استبعدت هذه العلوم التجربة المخبرية لأنها علوم عقلية و ليست واقعية و هذا ما جعلها تتجرد من التجربة لكن بالرغن من ذلك فالعلوم الإنسانية علوم تجريبية بدليل تجارب علم النفس خاصة تجارب المدرسة السلوكية بزعامة بافلوف و واطسن في قانون المنعكس الشرطي.
·        التركيب:
التجربة تتبع طبيعة الموضوع فإذا كان الموضوع ظاهرة واقعية حسية فإن المنهج المستخدم هو المنهج الاستقرائي و خاصة التجربة للتأكد من صحة الفرضيات و صياغتها في معادلة رياضية –القوانين العلمية- و لكن الموضوعات تتعدد و تتباين مثل موضوع الرياضيات الذي يتمثل في المفاهيم المجردة و لهذا يستوجب الاستنتاج كطريقة و خاصة الاستنتاج البرهاني.
·        الخاتمة:
ليست كل معرفة علمية معرفة تجريبية بالضرورة فالمعرفة العلمية العقلية تقوم على البرهان العقلي و ليس على التجربة و لهذا المعرفة نوعان معرفة علمية تجريبية و معرفة علمية عقلية مجردة.

عوامل الإبداع

عوامل الإبداع

 هل الإبداع يرجع إلى عوامل ذاتية أم إلى عوامل موضوعية


هل تتحكم في الإبداع عوامل ذاتية أم عوامل موضوعية؟
مقدمة:
يعتبر الإنسان كائنا متفردا يتميز بقدراته العقلية كالإدراك، التفكير، التأمل و التخيل كملكة تغيير الواقع و التخيل ينقسم إلى قسمين منه ما هو تمثيلي غير هادف، و منه ما هو إبداعي و قد شكل الإبداع محور اهتمام الفلاسفة و المفكرين من خلال البحث في مرجعيتنا و الشروط الكفيلة لإحداثها أين اختلفت آراؤهم و تباينت بين من يعتقد أن الإبداع مرتبط بشروط ذاتية خاصة وبين من يؤكد أنه محصلة ظروف اجتماعية ففي ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل الإبداع وليد عوامل ذاتية فحسب؟
أ‌.        العوامل الذاتية النفسية:
يعتقد علماء النفس و الكثير من الفلاسفة أن الإبداع مشروط بعوامل نفسية عقلية فالإبداع يرجع إلى ملكة ذاتية فليس بإمكان أي شخص أن يبدع فالمبدع يملك ذكاء خارق و قدرة على الإقناع فالفيلسوف سقراط استطاع أن يقلب موازين الفكر الفلسفي من خلال منهج السخرية و التهكم فأبطل آراء السوفسطائيين و مغالطاتهم، كما أن الإبداع يحتاج إلى الإلهام إذ يظهر الحل بصورة حدسية فالعالم ارخميدس اكتشف قانون الغضط في حمام منزله و العالم اسحاق نيوتن اكتشف الجاذبية بإلهام من سقوط التفاحة. إذ يقول "إني لأضع موضوع بحثي نصب عيني و أنتظر حتى يلمع الإشراق علي شيئا فشيئا لينقلب إلي نورا جليا" كما أن للرغبة و الميل دور في عملية الإبداع يقول بوانكاري "إن الحظ يحالف النفس المهيأة"
بالإضافة إلى الخبرة التي تشكل عامل مهم و ذلك بتوظيف الذاكرة، فالتاريخ يروي قصص أشخاص كانوا يملكون ذاكرة خارقة خاصة في حفظ القرآن و الأحاديث النبوية الشريفة كالإمام الشافعي و أبو هريرة و غير بعيد عن ذلك أكد علماء النفس أن الحالة النفسية للمبدع تساهم بقدر كبير في عملية الإبداع فالرسام الشاعر المغني كلهم انطلقو من حالة نفسية معينة، قد يكون غضب فرح، حزن، كره أو حب فحسن الخنساء على أخيها "صخر" دفعها إلى نظم قصائد خالدة في الرثاء و حب مفدي زكريا لوطنه و غضبه من المستعمر دفعه إلى إبداع الإلياذة يقول برغسون"إن العضماء اللذين يتخيلون الفروض و الأبطال القديسون اللذين يبدعون المفاهيم الأخلاقية، لا يبدعونها في حالة جمود الدم و إنما يبدعونها في جو حماسي و تيار ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار" لذا ربط فرويد بين الإبداع و الحالة اللاشعورية يقول"الإبداع تغبير مهذب نابع من غرائز جنسية مكبوتة" أما تلميذه أدلر فقد اعتبر أن الأبداع ناتج عن الشعور بالنقص. و لا يمكن أن يكون الإبداع دون صبر فمن العلماء من أفنى حياته في لأجل دراسة نظرية لذا يقال "طريق النجاح معبد بالفشل" فالعالم غاليلي قتل بسبب نظريته حول كروية الأرض، و لا يمكن الحديث عن العوامل لذاتية دون الحديث عن عامل الوراثة، فأبناء العباقرة عباقرة و كمثال على ذلك أسرة باخ الألمانية التي أنجبت أكثر من 40 موسيقي
النقد:
لا شك في تدخل العوامل الذاتية لإحداث عملية الإبداع إلا أنها تبقى غير كافية فالمبدع ليس فردا منعزلا عن المجتمع إذ لا بد من مناخ يحتويه و مجتمع يحتضن إبداعاته.
ب‌.     العوامل الموضوعية:
على خلاف الرأي الأول يرى علماء الإجتماع أن عملية الإبداع تتجاوز العوامل النفسية إلى شروط اجتماعية بمعنى أن المجتمع هو الذي يعمل علة صقل موهبة المبدع و إمداده بمختلف الوسائل، فالإبداع ليس عملا فرديا إذ يعتبر المجتمع شرطا ضروريا و من أهم هذه الشروط متطلبات المجتمع و حاجاته التي تدفع المبدع للتغير يقول كارل ماركس"الحاجة أم الإختراع" و يقول باستور"إن الافكار الخصبة للعالم هي بنات الحاجة" فحاجة الإنسان إلى السفر دفعته إلى إبداع وسائل النقل على اختلاف أنواعها و حاجته إلى التواصل دفعته إلى الاختراع وسائل الإتصال بمعنى أن المبدع لا يبدع بنفسه و إنما وفقا لما تحدده حاجته من مجتمعه هذا من جهة و من جهة أخرى يحتضن المجتمع مبدعيه فيهيء الظروف المناسبة للمبدع التي تساعده على إخراج طاقته، فقد يكون الدعم ماديا كالمكتبات، قاعات الانترنت، المخابر المجهزة، الوسائل التكنلوجية. و قد يكون الدعم معنويا كالتحفيز و المتابعة و هذا ما يظهر جليا في العلم، الفن الأدبي، الرياضة فدولة مثل اليابان تحتضن المبدعين و تهتم بما تنتجه أفكارهم يقول تين"إنك لن تفهم أثرا فنيا أو فنانا أو جملة من الفنانين إلا إذا تصورت معالم الفكر العامة و اتجاهات الأخلاق و العادات في زمانهم" لذا فالعوامل الإجتماعية تظهر الكفاءات و تميز الافراد فالتفريق بين الدول المتقدمة و المتخلفة لا يكون إلا بالرجوع إلى إبداعات أفرادها، يقول ماكس بلانك" العلم الحديث ابن ماضيه"فإبداعات دي مورغان في علم الوراثة كملت إبداعات مندل  يقول ريبو"مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحوي على نصيب إجتماعي"
النقد:
ما من شك في أن المجتمع بما يوفره من وسائل يعد سببا أساسيا و عاملا مؤثرا في عملية الإبداع، إلا أن رد الإبداع إلى المجتمع فحسب هو تقييد لحرية المبدع فكثيرا مابين التاريخ أن المجتمع في حد ذاته شكل عائقا أمام المبدعين فبدل تحفيزهم قم مبادراتهم، فالمجتمع هو الذي سمم سقراط و قتل غاليلي فقتل الإبداع، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان المجتمع السبب الوحيد في عملية الإبداع لكان كل أفراده مبدعون
التركيب:
يعد الإبداع نشاطا حيويا جوهريا إذ لا يمكن رده إلى شروط نفسية فحسب و لا عوامل إجتماعية فقط فما الفائدة من مبدع ذكي خياله خصب له موهبة و لكن المجتمع لا يحتضنه و يساعده على تجسيد إبداعاته، كما لا فائدة من مجتمع يوفر الوسائل و التقنيات لأفراد لا رغبة و لا قدرة لهم على الإبداع
الخاتمة:
ما يمكنه قوله في الأخير أن الإبداع كصورة متطورة من صور التخيل لايتم بمعزل عن تحديد شروطه و العوامل المتحكمة فيه و على ذلك يمكن القول أن الإبداع نتيجة تفاعل مزدوج بين الإرادة الفردية للمبدع و وسائل المجتمع

الخميس، 2 أبريل 2020

هل النسيان إيجابي؟

طبيعة النسيان


هل النسيان إيجابي أم سلبي؟

هل يساعد النسيان على التكيف؟

هل النسيان حالة صحية؟

مقدمة:

إن الحديث عن الذاكرة باعتبارها قدرة على استرجاع الماضي عند الضرورة من أجل التكيف لا يعني أنها قدرة مطلقة تتحكم في التخزين و الاسترجاع في جميع الأحوال و الظروف فقد يحدث أن تختل الذاكرة فيصعب علينا استرجاع ما خزناه بل قد يستحيل رغم بذل الجهد و هو ما يعرف بالنسيان إذ يقول عنه برغسون "النسيان زوال الوسيلة لازوال الماضي" حيث اختلفت آراء علماء النفس و المفكرين حول طبيعة الاثر الذي يتركه النسيان فمنهم من يرى أنه لا حياة للإنسان بدون نسيان و منه من يعتقد أنه حالة مرضية في ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل النسيان شرط للذاكرة أم معيق لها؟

الموقف الأول: 

أ‌.        النسيان حالة عادية:
يعتقد بعض علماء النفس أن النسيان شرط من شروط الذاكرة فلا تكتمل وظيفتها إلا إذا ارتبط بها النسيان فهو حالة عادية مصاحبة لكل فرد منذ طفولته إذ أنه لا يرتبط بسن معين أو فئة معينة دون أخرى، كما يعتبر أداة لتخفيف الضغط على الذاكرة، فلولاه لبقي الماضي ماثلا أمامنا و لأصيب الفرد بمرض تضخم الذاكرة و لولا النسيان لما تقدما خطوة واحدة في تحصيل المعرفة لأن اكتساب العلم يتطلب اهتماما و تركيزا الأمر الذي لا يمكن أن يتم إلا إذا عزلنا شعورنا عزلا إراديا عن كل مالم يصبح مهما يقول جون دولاي"النسيان حارس الذاكرة" كما يساعد الفرد على تجاوز القديم و تعلم كل ما هو جديد فنستطيع من خلاله انتقاء ذكرياتنا، فالتلميذ مثلا ينسى معلومات السنة الماذية و يبقي على أهمها حتى يستطيع التخزين جيدا إذا فالنسيان يحافظ على الجانب المعرفي العلمي للإنسان، و قد يكون النسيان أيضا رحمة أنزلها الله على عباده خاصة في تجاوز الأحداث المؤلمة التي تؤثر سلبا على نفسية الإنسان.مما يحافظ على استقرار الجانب النفسي من جهة و من جهة أخرى يساهم النسيان في حفظ العلاقات الإجتماعية فكثيرا ما ننسى الأحقاد و الضغائن لنحاول العيش في سلام، و نبني علاقات جديدة مع الغير كما يعطي للفرد قدرة على الإبداع مما يحرره من قيود الماضي يقول جبران خليل جبران"النسيان شكل من أشكال الحرية"
النقد:
لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي للنسيان إلا أن ذلك لا يعني استمرار التأثير الإيجابي بصفة مطلقة فقد يصبح عاملا معيقا للذاكرة و لقدرة الفرد على التكيف فيصبح حالة مرضية.

الموقف الثاني:

ب‌.     النسيان حالة مرضية:
على خلاف الرأي الاول يرى بعض العلماء و المفكرين أن النسيان ظاهرة غير عادية بل هي مرض من أمراض الذاكرة و قد فسر العلماء ذلك فيما يلي:
*التفسير المادي:
لقد فسر ريبو النسيان تفسيرا ماديا مشابها لتفسيره للذاكرة إذ أرجعه إلى أصابة الخلايا الدماغية و إلى زوال الأثر المادي الموجود في الدماغ و من ثمة زوال الذكرى و من ثمة يرى ريبو أن النسيان ينتقل من المركب إلى البسيط و من الحوادث العقلية إلى الحركات، يقول ريبو في هذا الصدد "إن التلف يصيب أولا الأحدث في التكوين ثم المركب ثم العواطف ثم الانفعالات" بمعنى أن الإنسان ينسى أسماء الأشخاص و لكن لا ينسى سلوكاتهم و يسبب النسيان عدة أمراض منها:
-مرض الأمينيزيا: و هو مرض فقدان الذاكرة و تغير شخصية الإنسان كليا، بمعنى يمحي المادي و تتعطل القدرة على استرجاعه مثل إصابة الخلايا الدماغية.
-مرض الأفازيا: و هو مرض متعلق باللغة فال\كرى موجودة و لكن لا نستطيع التعبير عنها.
- مرض الشيخوخة الزهايمر: قد يصاب المسنون بالزهايمر فينسون الأحداث القريبة و لكنهم يتذكرون الأحداث البعيدة.
*التفسير النفسي:
حسب سيغموند فرويد النسيان حالة مرضية و هو حالة من حالات الشعور أين يتم كبت الحوادث المؤلمة، التي لا نرغب في تذكرها فيعمل الأنا على إبعاد الحادثة عن ساحة الشعور و تخزينها، أو كبتها في اللاشعور، فقد يكون النسيان بسبب أمراض نفسية كالوسواس القهري  فمثلا يحتاج بعض الأفراد إلى التأكد دائما من غلق باب المنزل نتيجة لإصابته بالوسواس ، أو الهلوسة أو الهيتسيريا.
*التفسير الاجتماعي:
يرى علماء الاجتماع أن النسيان مرتبط بالآخر و المجتمع فالذكريات تخزن بفضل الجماعة و ينسى الفرد ذكرياته نتيجة فقدان الوسائل التي تمكن الفرد من استرجاع الذكرى كعدم وجود وسائل تذكرني بالأعياد الوطنية و الدينية
النقد:
قد يعد النسيان فعلا حالة مرضية إذ يؤثر بشكل سلبي على الفرد و المجتمع، فيعيق تواصلنا مع الآخر و لكن ذلك لا يمنع وجود أثر إيجابي فنحن لا نستطيع الاستغناء عن النسيان إذ أننا ننسى أكثر مما نتعلم.
التركيب:
ما يلاحظ من خلال كلا الموقفين أن النسيان ظاهرة إنسانية ملازمة للفرد طيلة حياته و لكن هذا لا يمنع وجود الأثر السلبي الذي قد يحول النسيان من حالة عادية إلى حالة مرضية.
خاتمة:
نستنتج في الأخير أن للنسيان علاقة بالذاكرة فما كانت لتوجد إلا به إذ يعتبر شرطا أساسيا لتخفيف الضغط عنها و تهيأتها لاستقبال الجديد مهما قيل عن أثره السلبي يبقى الإنسان سجينا للماضي و ذكرياته.

هل الذاكرة ذات طابع فردي؟

طبيعة الذاكرة

هل الذاكرة ذات طابع فردي؟

هل الذاكرة ذاتية؟


المقدمة
يحتاج الإنسان لتفاعله مع العالم الخارجي و تكيفه مع المواقف الراهنة إلى استحضار ذكرياته، حيث تشارك الذاكرة بشكل كبير في تحسين ذلك التكيف و إذا كان الاتفاق واردا بين الفلاسفة و المفكرين حول قيمة الذاكرة فإن طبيعتها شكلت محور اختلاف و تعارض، أين ظهرت عدة اتجاهات تحاول تفسير الأساس الذي تقوم عليه الذاكرة، فهناك من يعتقد أنها ذات طبيعة فزيلوجية مادية و هناك من يرجعها إلى أسباب نفسية في أكد البعض ارتباط الذاكرة بأسباب اجتماعية و في ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل الذاكرة ذات طبيعة فردية-مادية، نفسية- أم اجتماعية؟

الموقف الأول: إن الذاكرة ذات طابع فردي و هذا ما أكدته النظرية النفسية و المادية

       النظرية المادية – فزيلوجية، جسمية، عضوية، بيولوجية، دماغية- : يرى أنصار النظرية المادية أن طبيعة الذاكرة ترجع إلى وظائف عضوية، أي أنها مرتبطة بالجهاز العصبي للإنسان، و من أبرز الداعين إلى هذا الطرح نجد الطبيب ابن سينا الذي فسر الذاكرة تفسيرا ماديا إ يقول" إنها قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ، من شأنها حفظ ما يدركه العقل من معاني جزئية" كما دعى إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي ديكارت حيث أرجع عملية التذكر على خصائص بيولوجية يقول في هذا الصدد "الذاكرة تمكن في ثنايا الجسم" و الدليل على ذلك هو أن أي إصابة في الجهاز العصبي، أو اختلال في الدورة الدموية او الصداع  أو ضيق في التنفس أو الصرع بالإضافة إلى الارهاق كلها عوامل فزيلوجية تؤثر على قدرتنا على استرجاع الذكريات، كما أن قدرة الطفل على استرجاع الذكريات تختلف عن قدرة المسن لذا ينصح بالحفظ في سنوات متقدمة من العمر، يقول تين" المخ وعاء لحفظ الذكريات"
    إلا أن أكبر المؤيدين للتفسير المادي نجد العالم الفرنسي ريبو الذي أكد في كتابه أمراض الذاكرة أن الذاكرة بمثابة أسطوانة نسجل فيها ماضينا فأي خلل يصيب الخلايا الدماغية سيؤدي حتما إلى اتلاف الذكريات، و قد تم اكتشاف منطقة في القشرة الدماغية تسمى البروكا نسبة إلى مكتشفها و هي المسؤولة عن حفظ الذكريات يقول ريبو "الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي" و يضيف "إن الذاكرة حادثة بيو لوجية بالماهية و نفسية بالعرض" فقد استدل ريبو في موقفه هذا بالإصابات الدماغية و من بينها مرض الحبسة الحركية بمعنى أن إصابة الجهة اليسرى من الدماغ يتسبب في فقدان ذكريات الجهة اليمنى من الجسم و العكس صحيح فقد تم التجريب على فتاة أصابتها رصاصة في الجهة اليسرى من الدماغ فتم تعصيب عينيها ووضع مشط في يدها اليمنى فلم تتعرف عليه و ما إن وضع المشط في يدها اليسرى حتى تعرفت عليه و هذا ما يدل على تأثير الدماغ في عملية التذكر
    النقد:
   قد يكون للدماغ و الجانب الفزيلوجي عامة تأثير بليغ في عملية حفظ الذكريات، إلا أن إرجاع الذاكرة إلى الدماغ بصفة مطلقة أمر مبالغ فيه، فقد أهمل هذا الموقف الجانب النفسي للإنسان و جعل منه آلة بيولوجية، فقد انتقد برغسون البيولوجيين إذ يقول"لو صح أن تكون الذكريات شيء ما نحتفظ به في الدماغ لما أمكنني أن أحتفظ بشيء من الأشياء بل بآلاف الذكريات" كما أن أمراض الذاكرة تثبت أن الإنسان قد يصاب دماغه و لا يفقد ذاكرته، و قد يفقد ذكرياته حتى مع سلامة الدماغ زيادة على ذلك لم يثبت العلم إلى حد الآن وجود آثار مادية تتركها الذكريات للدماغ.
     ب.النظرية النفسية – السيكولوجية-:
      يعتقد أنصار النظرية التنفسية بزعامة برغسون أن طبيعة الذاكرة لا يمكن أن تكون مادية مستبعدين أن تكون مجرد وظيفة للجهاز العصبي كما يدعي ريبو و إنما هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحالة النفسية السيكلوجية الشعورية للفرد، فالذاكرة وظيفة نفسية واعية قوامها الشعور فهي جوهر روحاني يقول عنها جميل صليبا"الذاكرة هي القدرة على إحياء حالة شعورية مضت و انقضت مع العلم و التحقق أنها جزء من حياتنا الماضية"
      إذ تبقى الحوادث محفوظة في علم أعماق النفس، و لا تعود إلى ساحة الشعور إلا عند الحاجة لذا يرى برغسون أن دعاة النزعة المادية قد وقعو في خلط كبير بين نوعين من الذاكرة هما:
       *الذاكرة الحركية العادة :و هي مرتبطة فعلا بالجهاز العصبي، لأنها تقوم على التكرار مثل حفظ قصيدة، تعلم السياقة
       * الذاكرة النفسية الشعورية الحقيقة: و هي حسب برغسون تمثل الوجه الحقيق للذاكرة فهي مستقلة عن الجسم لا تعتمد علة التكرار و هي محفوظة في أعماق النفس و هي تشتمل الماضي بأكمله سواء كانت ذكريات سعيدة أو حزينة، إذ يرى برغسون أنه لا فرق بين الذاكرة و الشعور يقول " الشعور هو الذاكرة" و يضيف " ليس هناك من شك في أن ماضينا بأكمله يتبعنا في كل لحظة من لحظات حياتنا" و كمثال على ذلك تذكرنا لحادث مفرح وقع في الملضي و أثر على شعورنا كالنجاح و هي ذكرى لا تتكرر و مع ذلك تبقى مخزنة في النفس لذا اتفق أنصار النزعة النفسية على القول أن الجانب النفسي هو المسؤول عن تخزين الذكريات إذ يرى برغسون أنه ما من داعي إلى طرح الإشكال أين توجد الذاكرة؟ لأن الاذكرة لا توجد في أي مكان بل في النفس يقول في هذا الصدد برغسون" في الحقيقة لست متيقنا أن أداة الاستفهام أين يقى لها معنى حين نتكلم عن ما ليس له جسم"
    النقد:
    لا يمكن إنكار ما جاء به أنصار النظرية النفسية إذ أن للنفس دور كبير في تحديد الذكريات فنحن نتذكر ما يؤثر في نفسيتنا إيجابيا أو سلبياإلا أن ما يؤخذ على هذا الموقف هو إهمالهم للجانب المادي و الاجتماعي في الإنسان فقوة الذاكرة من قوة الجهاز العصبي و البنية الفزيلوجية إذ يثبت العلم أن تناول بعض المؤثرات الكيميائية كالمخدرات تؤثر تأثيرا بليغا على الذاكرة كما أن الفرد ابن مجتمعه و لا يمكن أن يعيش ماضيه بمفرده، زيادة على هذا اعتبر هذا الموقف أن الإنسان وعي و شعور و تغافلو عن وجود جانب آخر و هو اللاشعور
  ج. النظرية الاجتماعية –السوسيولوجية-:
          إذا كان كل من ريبو و برغسون قد أكدا على الجانب الفردي للذاكرة الإنسانية فإن علماء الاجتماع يرون أن الذاكرة ذات بعد اجتماعي فهي ليست تابعة للفرد بل ظاهرة مشتركة بين الفرد و الجماعة، فمن المجتمع يستمد وجوده و يكون ذكرياته بمعنى أن البيئة التي تنتمي إليها هي التي تحفظ خبرتنا الماضية و تقدم الوسائل التي تساعدنا على الاسترجاع يقول دوركايم "حينما يتكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم" و أول ما يمدنا به المجتمع هو اللغة فلغة الفرد هي لغة الجماعة و جل ما يتم تخزينه من ألفاظ مصدره المجتمع فنحن لا نعيش ماضينا الخاص بل نعيش ماض مشترك يتقاطع في عدة مناسبات تظهر في العادات، التقاليد، الأعياد الدينية و الوطنية فالمجتمع يذكرني بعيد الثورة مثلا يقول هالفاكس" إن المجتمعات التي انتمي إليها هي التي تذكرني في كل لحظة الوسائل التي أستعيد بها ذاكرتي" فالمجتمع هنا يعمل عمل المنبه الذي يخبرني بالذكرى يقول هالفاكس"إن الماضي لا يحتفظ به بل يعاد بناؤه انطلاقا من الحاضر و الذكرى تكون قوية لما تبعث في نقطة التقاء الأطر" و يضيف"هو الذي يدفعني إلى التذكر لأن ذاكرته تساعد ذاكرتي كما أن ذاكرتي تعتمد على ذاكرته" كما عبر بيار جانيه على دور المجتمع في الذاكرة فماضينا محفوظ في ذاكرة المجتمع و ينتقل إلينا عبر عدة وسائل كالرواية، الشعر و القصة يقول بيار جاني "لو كان الإنسان وحيدا لما كون ذاكرة و لما احتاج إليها" و قد عبر عن هذا العلامة ابن خلدون حيث أشار إلى التأثير البليغ للمجتمع في الفرد يقول "الإنسان ابن بيئته "كما نجد الفيلسوف مونتاي الذي اعتبر المجتمع سلطة تقرر مصير الفرد يقول"إن الضمير الأخلاقي ليس إلا انعكاسا للتقاليد التي يكتسبها الفرد في مجتمعه منذ الطفولة"
  النقد:
           حقيقة يساهم المجتمع في تخزين الذكريات كما يقول ابن خلدون "الإنسان مدني بالطبيعة" إلا أن هذا الموقف اهتم بالجانب الاجتماعي و أهمل الجوانب النفسية، الفزيلوجية. كما أن المجتمع هو تعداد أفراد ، فالفرد هو الأصل و ليس العكس، و قد يحدث أن يحتفظ الفرد بذكرياته الخاصة التي لا دخل للمجتمع فيها خاصة تلك التي تكون مرتبطة بميوله و رغباته كالشعور بالفرح في حادثة شخصية.
      التركيب: ما يلاحظ من خلال كل المواقف أن الذاكرة متعددة المستويات فقد تحمل طابعا فرديا يتقاسمه الجسم و النفس و قد تحمل طابعا اجتماعيا يكون الغير فيه مسؤولا عن ذكراياتنا، فالذاكرة هي محصلة الفرد و المجتمع.
الخاتمة:
نستنتج في الأخير أن الذاكرة متعددة الأبعاد فهي وظيفة لا يمكن إرجاعها إلى عامل دون آخر بل مرتبطة بالإنسان كشخص تميزه تركيبته النفسية الفزيلوجية و الاجتماعية و الملاحظ أن ذكرياتنا كثيرا ما تعرض للنسيان فما هو النسيان و هل هو عائق معيق للذاكرة.

الأربعاء، 1 أبريل 2020

الفلسفة حياة


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
 إن الفلسفة ليست كما يعتقد البعض أنها مجرد نظريات بل إنها الحياة بذاتها تعرفنا على طبيعة الحياة
عن الأسئلة التي لا يستطيع أيا كان طرحها
عن وجودنا
عن تأملنا
عن طرق الحياة
عن الامم و الحضارات
عن الأحلام كيف نعيشها

المقالات المتوقعة 2020

المقالات المتوقعة باك 2020


الشعور و اللشعور- 

الأخلاق بين المطلق و النسبي- 

الاحساس و الادراك العلاقة بينهما- 

النسيان هل سلبي أم إيجابي- 


و العلم عند الله تعالى


الفلسفة و العلم

الفلسفة و العلم

ما العلاقة بين العلم و الفلسفة؟

قارن بين الفلسفة و العلم

:المقدمة

إن سعي الإنسان دائم وراء المعرفة، دفعه إلى تكوين الميكانزمات الكفيلة بالوصول إليهامنها العلم و الفلسفة  هذا الهدف المشترك بينهما دفع بالبعض الى الاعتقاد بأنهما شيء واحد و لكن هناك دعاوى كثيرة إلى ضرورة التفرقة و التمييز بينهما و هنا يستعجلنا طرح السؤال التالي
ما الفرق بين العلم و الفلسفة؟
ما علاقة العلم بالفلسفة؟

أوجه التشابه

إن المقارنة بين العلم و الفلسفة تقتضي منا البدأ بأوجه التشابه اذ أن بينهما اوجه تشابه عديدة منها

كلاهما معرفة
كلاهما أداة للتكيف مع الواقع
كلاهما يعبر عن فضول الانسان اتجاه الوجود
كلاهما خاصان بالإنسان
كلاهما له موضوع و منهج و هذف يسعى إليه

أوجه الإختلاف

إن وجود أوجه تشابه بينهما لا يعني عدم وجود أوجه اختلاف إذ أن الفلسفة و العلم يختلفان في نقاط عديدة
من حيث الموضوع: إن موضوع الفلسفة هو المواضيع الميتافيرزيقية، أما موضوع العلم فهو المحسوسات و الملموسات
من حيث المنهج: إن المنهج المعتمد في العلم هو المنهج التجريبي الذي نعتمد فيه على الملاحظة الفرضية و التجربة، أما المنهج في الفلسفة فههو المنهج التأملي الاستنباطي
من حيث اللغة: إن اللغة المستعملة في الفلسفة هي اللغة الطبيعية، أما اللغة المستعملة في العلم فهي اللغة الرياضية التي نستعمل فيها الرموز
من حيث الهدف و النتائج: إن النتائج التي نصل إليها في العلم متفق عليها، أما النتائج في الفلسفة فهي متعددة و متنوعة و كل نتائج تكون محتملة للصدق و الكذب

أوجه التداخل

إن وجود أوجه تشتبه و اختلاف بين العلم و الفلسفة يدفعنا إلى ضرورة تحديد طبيعة العلاقة بينهما، فالعلم يعطي للفلسفة المادة الأولية التي يتساءل حولها أما الفلسفة فتمنح العلم الأسئلة الابستملوجية التي تخرجه من الدغمائية

الخاتمة

إن العلاقة بين الفلسفة و العلم تداخلية ترابطية فالفلسفة تظهر في المساء بعد أن يكون العلم قد قذى يوما طويلا، كما أن كلاهما يحتاج الآخر في وجوده و انتفاء كلاهما يعني انتفاء الآخر