الخميس، 2 أبريل 2020

هل النسيان إيجابي؟

طبيعة النسيان


هل النسيان إيجابي أم سلبي؟

هل يساعد النسيان على التكيف؟

هل النسيان حالة صحية؟

مقدمة:

إن الحديث عن الذاكرة باعتبارها قدرة على استرجاع الماضي عند الضرورة من أجل التكيف لا يعني أنها قدرة مطلقة تتحكم في التخزين و الاسترجاع في جميع الأحوال و الظروف فقد يحدث أن تختل الذاكرة فيصعب علينا استرجاع ما خزناه بل قد يستحيل رغم بذل الجهد و هو ما يعرف بالنسيان إذ يقول عنه برغسون "النسيان زوال الوسيلة لازوال الماضي" حيث اختلفت آراء علماء النفس و المفكرين حول طبيعة الاثر الذي يتركه النسيان فمنهم من يرى أنه لا حياة للإنسان بدون نسيان و منه من يعتقد أنه حالة مرضية في ظل هذا التعارض نطرح الإشكال التالي:
هل النسيان شرط للذاكرة أم معيق لها؟

الموقف الأول: 

أ‌.        النسيان حالة عادية:
يعتقد بعض علماء النفس أن النسيان شرط من شروط الذاكرة فلا تكتمل وظيفتها إلا إذا ارتبط بها النسيان فهو حالة عادية مصاحبة لكل فرد منذ طفولته إذ أنه لا يرتبط بسن معين أو فئة معينة دون أخرى، كما يعتبر أداة لتخفيف الضغط على الذاكرة، فلولاه لبقي الماضي ماثلا أمامنا و لأصيب الفرد بمرض تضخم الذاكرة و لولا النسيان لما تقدما خطوة واحدة في تحصيل المعرفة لأن اكتساب العلم يتطلب اهتماما و تركيزا الأمر الذي لا يمكن أن يتم إلا إذا عزلنا شعورنا عزلا إراديا عن كل مالم يصبح مهما يقول جون دولاي"النسيان حارس الذاكرة" كما يساعد الفرد على تجاوز القديم و تعلم كل ما هو جديد فنستطيع من خلاله انتقاء ذكرياتنا، فالتلميذ مثلا ينسى معلومات السنة الماذية و يبقي على أهمها حتى يستطيع التخزين جيدا إذا فالنسيان يحافظ على الجانب المعرفي العلمي للإنسان، و قد يكون النسيان أيضا رحمة أنزلها الله على عباده خاصة في تجاوز الأحداث المؤلمة التي تؤثر سلبا على نفسية الإنسان.مما يحافظ على استقرار الجانب النفسي من جهة و من جهة أخرى يساهم النسيان في حفظ العلاقات الإجتماعية فكثيرا ما ننسى الأحقاد و الضغائن لنحاول العيش في سلام، و نبني علاقات جديدة مع الغير كما يعطي للفرد قدرة على الإبداع مما يحرره من قيود الماضي يقول جبران خليل جبران"النسيان شكل من أشكال الحرية"
النقد:
لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي للنسيان إلا أن ذلك لا يعني استمرار التأثير الإيجابي بصفة مطلقة فقد يصبح عاملا معيقا للذاكرة و لقدرة الفرد على التكيف فيصبح حالة مرضية.

الموقف الثاني:

ب‌.     النسيان حالة مرضية:
على خلاف الرأي الاول يرى بعض العلماء و المفكرين أن النسيان ظاهرة غير عادية بل هي مرض من أمراض الذاكرة و قد فسر العلماء ذلك فيما يلي:
*التفسير المادي:
لقد فسر ريبو النسيان تفسيرا ماديا مشابها لتفسيره للذاكرة إذ أرجعه إلى أصابة الخلايا الدماغية و إلى زوال الأثر المادي الموجود في الدماغ و من ثمة زوال الذكرى و من ثمة يرى ريبو أن النسيان ينتقل من المركب إلى البسيط و من الحوادث العقلية إلى الحركات، يقول ريبو في هذا الصدد "إن التلف يصيب أولا الأحدث في التكوين ثم المركب ثم العواطف ثم الانفعالات" بمعنى أن الإنسان ينسى أسماء الأشخاص و لكن لا ينسى سلوكاتهم و يسبب النسيان عدة أمراض منها:
-مرض الأمينيزيا: و هو مرض فقدان الذاكرة و تغير شخصية الإنسان كليا، بمعنى يمحي المادي و تتعطل القدرة على استرجاعه مثل إصابة الخلايا الدماغية.
-مرض الأفازيا: و هو مرض متعلق باللغة فال\كرى موجودة و لكن لا نستطيع التعبير عنها.
- مرض الشيخوخة الزهايمر: قد يصاب المسنون بالزهايمر فينسون الأحداث القريبة و لكنهم يتذكرون الأحداث البعيدة.
*التفسير النفسي:
حسب سيغموند فرويد النسيان حالة مرضية و هو حالة من حالات الشعور أين يتم كبت الحوادث المؤلمة، التي لا نرغب في تذكرها فيعمل الأنا على إبعاد الحادثة عن ساحة الشعور و تخزينها، أو كبتها في اللاشعور، فقد يكون النسيان بسبب أمراض نفسية كالوسواس القهري  فمثلا يحتاج بعض الأفراد إلى التأكد دائما من غلق باب المنزل نتيجة لإصابته بالوسواس ، أو الهلوسة أو الهيتسيريا.
*التفسير الاجتماعي:
يرى علماء الاجتماع أن النسيان مرتبط بالآخر و المجتمع فالذكريات تخزن بفضل الجماعة و ينسى الفرد ذكرياته نتيجة فقدان الوسائل التي تمكن الفرد من استرجاع الذكرى كعدم وجود وسائل تذكرني بالأعياد الوطنية و الدينية
النقد:
قد يعد النسيان فعلا حالة مرضية إذ يؤثر بشكل سلبي على الفرد و المجتمع، فيعيق تواصلنا مع الآخر و لكن ذلك لا يمنع وجود أثر إيجابي فنحن لا نستطيع الاستغناء عن النسيان إذ أننا ننسى أكثر مما نتعلم.
التركيب:
ما يلاحظ من خلال كلا الموقفين أن النسيان ظاهرة إنسانية ملازمة للفرد طيلة حياته و لكن هذا لا يمنع وجود الأثر السلبي الذي قد يحول النسيان من حالة عادية إلى حالة مرضية.
خاتمة:
نستنتج في الأخير أن للنسيان علاقة بالذاكرة فما كانت لتوجد إلا به إذ يعتبر شرطا أساسيا لتخفيف الضغط عنها و تهيأتها لاستقبال الجديد مهما قيل عن أثره السلبي يبقى الإنسان سجينا للماضي و ذكرياته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق