الجمعة، 10 أبريل 2020

هل التجربة هي من تجعل العلم علما؟

·        هل التجربة شرط لكل معرفة علمية؟
·        هل التجربة هي من تجعل العلم علما؟
·        المقدمة:
لقد كان تفكير الإنسان البدائي تفكيرا عاميا ساذجا، مما جعل الإنسان يتوصل إلى مجموعة من المعارف الساذجة لكن استطاع الإنسان تجاوز هذه المرحلة باتخاذ التفكير العلمي الذي ارتبط اساسا بالمنهج التجريبي الذي مكن العلماء من التحقق من صدق فروضهم، فهل هذا يعني أن التجربة هي شرط المعرفة العلمية؟ و بصيغة أخرى هل كل معرفة علمية معرفة تجريبية؟

·        الموقف الأول: كل معرفة علمية معرفة تجريبية
إن المعرفة العلمية معرفة تجريبية بالدرجة الأولى و هذا ما أكده كلود برنارد واضع نظرية المنهج التجريبي بخطواته الثلاث، الملاحظة، الفرضية و التجربةحيث بين كلود برنارد قيمة التجربة من خلال تجاربه كالتجربة التي قام بها على الأرانب و توصل من حلال تجاربه إلى أن مشروع القانون يتحول إلى قانون، إلى جانب ما ذهب إليه كلود برنارد نجد جون ستوايرت مل الذي أكد على ضرورة التجربة في بناء المعرفة، لأن التجربة مقياس موضوعي يبعد العالم عن التفسير الذاتي و يعمل على تطابق الفكر مع الواقع لـن العقل إذا كان يبني الأفكار فإن الواقع هو الذي يحكم عليها إذا كانت صادقة أم لا و بالتالي فإن صحة المعرفة العلمية متوقفة على عدم تناقض الفكر مع الواقع، الأمر الذي لا يمكن التأكد منه إلا باستعمال التجربة المخبرية و على هذا تحدث مل عن مجموعة من القواعد التي تضمن التحقق الدقيق للتجربة و المتمثلة في – قاعدة التلازم في الحضور، قاعدة التلازم في الغياب، قاعدة التلازم في التغير، قاعدة البواقي- و ما يثبت صدق التجربة قول كلود برنارد "إن الملاحظة هي جواب الطبيعة الذي توجد به دون سؤال لكن التجربة هي استنطاق الطبيعة" و بذلك المعرفة العلمية نتيجة حتمية لتجريب العالم أي كلما حضرت التجربة حضرت المعرفة العلمية، و كلما غابت التجربة غابت المعرفة العلمية.
·        النقد:
لقد أثبت التاريخ أن بعض المعارف العلمية ليست تجريبية، بدليل الدراسة الفلكية التي اعتمدت الملاحظة كمقياس أساسي في بلوغ القوانين العلمية بالرغم من أنه علم استقرائي و لهذا المعرفة العلمية لا تعود على التجربة بالضرورة لأن موضوعات البحث تختلف كمبحث الرياضيات و مبحث العلوم الانسانية، و هذا ما أثبته زعماء الطرح الثاني.

·        الموقف الثاني: ليست كل معرفة علمية معرفة تجريبية بالضرورة
إن المعرفة العلمية لا يمكن أن تكون منهجا لكل علم لأن مناهج العلوم تختلف باختلاف العلوم،  فالرياضيات علم المفاهيم المجردة و من ثمة فإن دراستها تتطلب المنهج الاستدلالي الإستنتاجي و بالرغم من غياب التجربة استطاع عالم الرياضيات، بلوغ القوانين العلمية خاصة في الرياضيات المعاصرة، و بناء هندسة ريمان و لوباتشفسكي و التي كانت نظريات دقيقة، موضوعية كمية، يقينية و ذلك من أجل بلوغ فكرة انطباق الفكر مع ذاته، أي أن المعارف ليست واقعية بدليل أن المعرفة العلمية التي استعملها الرياضيات ليست تجريبية أي أن لا نستعمل الواقع للتحقق من فروضها بصفتها علما مجردا و إنما تستعمل البرهان العقلي بحيث لا تتناقض النتئج مع المقدمات و الفرضيات و هذا ما يظهر في نسق اقليدس حيث يسلم بأن مجموع زوايا المثلث يساوي 180° في حين أن مجموع زوايا المثلث عند زيما يساوي أكثر من °180 أما عند لوبايشفسكي فإن مجموع زوايا المثلث أقل من 180° ، و ما يؤكد هذا الطرح أيضا المذهب العقلي بزعامة كل من ديكارت و بوانكاري الذي يرى أن الرياضيات علم تجريدي و ليس تجريبي و ما ينطبق على الرياضيات ينطبق أيضا على العلوم الإنسانية التي تتناول الإنسان كموضوع بجميع جوتنبه الإنساني ، الجانب النفسي الذي نستخدم فيه المناهج مختلفة كالمنهج الاستبطاني، المنهج السلوكي و منهج مدرسة التحليل و النفسي. ثم الجانب التاريخي حيث نستخدم لدراسته منهج النقد و التمحيص اضافة إلى الجانب الأخلاقي التربوي الاجتماعي

·        النقد:
استبعدت هذه العلوم التجربة المخبرية لأنها علوم عقلية و ليست واقعية و هذا ما جعلها تتجرد من التجربة لكن بالرغن من ذلك فالعلوم الإنسانية علوم تجريبية بدليل تجارب علم النفس خاصة تجارب المدرسة السلوكية بزعامة بافلوف و واطسن في قانون المنعكس الشرطي.
·        التركيب:
التجربة تتبع طبيعة الموضوع فإذا كان الموضوع ظاهرة واقعية حسية فإن المنهج المستخدم هو المنهج الاستقرائي و خاصة التجربة للتأكد من صحة الفرضيات و صياغتها في معادلة رياضية –القوانين العلمية- و لكن الموضوعات تتعدد و تتباين مثل موضوع الرياضيات الذي يتمثل في المفاهيم المجردة و لهذا يستوجب الاستنتاج كطريقة و خاصة الاستنتاج البرهاني.
·        الخاتمة:
ليست كل معرفة علمية معرفة تجريبية بالضرورة فالمعرفة العلمية العقلية تقوم على البرهان العقلي و ليس على التجربة و لهذا المعرفة نوعان معرفة علمية تجريبية و معرفة علمية عقلية مجردة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق